موقع نحلة للنحالين العرب موقع نحلة للنحالين العرب موقع نحلة للنحالين العرب
الصفحة الرئيسية   المقالات   الأخبار   الصور   منتدى النحالين العرب
قـيـــل في الـنــحــــل ما يرد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، اكتب رأيك!

قصة العسل الجبلي في الأمارات
إبراهيم العسم و صبحي بحيري

كتب صبحي بحيري

تظل مهنة جمع عسل النحل من الجبال إحدى أعرق المهن التي دأب أهالي المناطق النائية على مكابدتها واحدة من المهن التي تقاوم الاندثار؛ وعلى مدى مئات السنين عاشت المهنة التي تعتمد بشكل رئيسي على خبرة العاملين بها في وجدان الآلاف من ساكني الجبال والسيوح فهي المهنة التي لا تحتاج إلى فراسة في تحديد أماكن تجمع نحل الجبال. وهناك ميثاق شرف بين “العسالين” بألا يعتدي أي واحد منهم على نحل الآخر وأخيراً القدرة على تحديد نوعية العسل والمرعى التي يتغذى عليها النحل لإخراج عسله.
“الاتحاد” رافقت أحد أشهر العسالين برأس الخيمة في رحلة بجبال منطقة الريبية القريبة من سيح الحرف بحثاً عن عسل السمر الذي يكثر في أوائل أشهر الصيف.
سلطان محمد الخيلب ورث مهنة العسال عن أجداده الذين استعمروا المنطقة القريبة من السيح على مدى مئات السنين وورث المهنة لولده أحمد الذي بات يملك خبرة لا تقل عن خبرة والده في هذا المجال.


سلطان الخيلب خلال قطف العسل في رأس الخيمة      

ويقول سلطان الخيلب “هناك ثلاثة مواسم لعسل النحل الأول يبدأ في نوفمبر من كل عام ويتغذى النحل فيه على زهور أشجار السدر التي تكثر في جبال رأس الخيمة، أما الموسم الثاني فيبدأ في نهاية فصل الشتاء ويتغذى فيه النحل على الزهور البرية والأعشاب الموسمية وهذا النوع نادر بعكس عسل السمر والسدر الذي يكون إنتاج النحل فيه أوفر”.
ويضيف “أن البيئة الطبيعية التي يعيش بها النحل هي الجبال ولا ينتقل النحل من الجبال إلى السيوح أو الأودية إلا بعد أن تضطره الظروف لمغادرة بيئته الأصلية، فخلال السنوات الماضية ومع بداية عمل الكسارات وبعد أن نشطت حركة العمران بالمنطقة هجر النحل أعشاشه إلى السيح حيث تكثر أشجار السدر والسمر”.
ويقول علي محمد سلطان مع تراجع أعداد الخلايا بالجبل بدأنا في تمهيد بيئة جبلية للنحل في السيح وسط أشجار السدر والسمر واستطعنا من خلالها إكثار أنواع من النحل المصري والأسترالي وهذه النوعيات تنتج بمعدلات أعلى من النحل المحلي الذي لا يعيش إلا في الجبال. ويؤكد أن نوعية العسل تعتمد على المرعى وليس نوعية النحل ويتراوح سعر الكيلو من عسل السمر الذي ننتجه الآن بين 500 درهم و1000 درهم.
ويضيف سلطان امتلك الآباء والأجداد خبرات كثيرة في المهنة وورثوها للأبناء الذين يعتبرون العمل بالمهنة إحياءً للتراث ونحن نستطيع تحديد مكان الخلايا من الروائح التي تنبعث من المكان وكذلك من خلال حركة شغالات النخل التي يمكن رؤيتها على ضوء الشمس لمسافات بعيدة. ويقول عملية قطف الخلايا لا يتم إلا في أوقات محددة من النهار ولا يقوم عليها سوى متخصصين لتلافي لدغات النحل. وأضاف “نستطيع تحديد نوعية العسل من لونه فعسل السدر أبيض وعسل السمر أحمر”. وأشار إلى أن القطاف يمر بعدة مراحل تبدأ بإخراج الألواح من الخلايا وكشط ما بها من عسل قبل تصفيته وتنقيته. ويضيف على مدى سنوات ظلت هذه المنطقة ملكا لقبيلتنا ولم يحدث في يوم أن اعتدى عسال على منطقة زميل له فنحن نحدد الخلية ونتابعها من بداية الموسم حتى موعد القطاف.

كتب إبراهيم العسم:
ناقل الخلية

دائما ما تستمد الشعوب قيمتها من ماضيها.. وأغلب إنجازاتها مصدرها الماضي، هكذا عاش الإنسان في الإمارات وفق هذه المبادئ وعلى هذا الإرث الجميل الذي خلفه الماضي، واحتفظ به الحاضر، وبالرغم من المعاناة التي تكبدها الأجداد والآباء قبل قيام دولة الاتحاد في البحث عن الرزق وسط ظروف صعبة وضيق ذات اليد، إلا أن إنسان هذه الأرض الطيبة استطاع تطويع الطبيعة، وعمل في العديد من المهن والحرف منها مهنة (العسال)، أو قاطف شهد النحلة التي تزدهر هذه الأيام بسبب بدء موسم عسل السمر، أجود وأعلى قيمة غذائية في العسل، حيث بدأ المهتمون هذه الأيام بقطفه بين الجبال، أو من منابت الأشجار، أو مما يعرشون، كما تقول الآية الكريمة في سورة النحل.
وقصة العسل الجبلي قديمة قدم البلاد، فالبدوي القديم كان ينتظر هذا الموسم بفارغ الصبر لحصد رزقه من كهوف الجبال، معتمدا على خبرته في تتبع أسراب النحل، ومواطن المرعى ومصادر المياه، وهي الأمور الثلاثة التي يجب توافرها كبيئة لتواجد نحل الجبال في إمارة رأس الخيمة، وسلسلة الجبال الوسطى حيث تزدهر هذه المهنة كثيرا، بسبب انتشار أشجار السمر التي تغطي مساحات واسعة من الإمارة.
وقد سن الأجداد العديد من القوانين التي تحكم العاملين بهذه المهنة الشاقة. منها مثلا ألا يعتدي عسال على حرم زميله، أي لكل عسال منطقة يعمل بها من خلال متابعة ما بها من نحل، كذلك لا يستطيع أي غريب عن المنطقة القدوم إلى الجبل، حتى لو كان من العاملين بالمهنة.
وقد برزت في هذه الأيام مهنة ناقل خلية النحل، وهي مهنة مستنبطة من أصل مهنة العسال، فبعد هجرة النحل من الجبال بسبب انتشار الكسارات والمصانع، إذ هاجر النحل إلى المدن حيث المساكن والعمارات، وإلى المزارع القريبة.
و(ناقل الخلية) يجب أن يكون محترفاً، وذا مهارة عالية وخبرة وافية، حتى يتمكن من تحويل الخلية، حيث يبدأ نقل الخلية منذ الصباح الباكر من خلال البحث والتحري عن أماكن وجود الخلية، ومن ثم يهيئها من خلال قص الأغصان من حولها، حتى يصل إلى الغصن الذي تقبع به الخلية، ولا يمكن نقل الخلية في النهار حيث ينتظر ناقل الخلية حتى يحل الظلام، وبعدها يستطيع حمل الخلية وبحذر وحرص شديدين، ويجب على ناقل الخلية أن يكون على معرفة بالخلية إن كانت جديدة أو قديمة، فإذا كانت جديدة يجب أن يحرص بشده على نقل الخلية حتى لا تنكسر باعتبارها غضه صغيرة، أما إذا كانت قديمة فملكة الخلية تنجب ملكات يجب على الشخص التعامل مع الملكات الجديدات بكل عناية، وحتى تعمل الخلية بصورة سريعة بعد نقلها يجب إطلاقها في الصباح الباكر ومع ظهور خيوط الشمس.
وقد يكون العمل في هذه المهنة في الوقت الحالي أكثر صعوبة وأقل عائد، بعد أن وفرت الدولة الوظائف والمساكن والمنح للمواطنين في كل المناطق، ولم يعد هناك من يحتاج لمكابدة المخاطر من أجل الحصول على كميات قليلة من العسل، لكن الحرص من جانب عدد كبير من المواطنين على إعادة الاعتبار لهذا النشاط، يؤكد أن تراثنا الذي يحتل مساحات واسعة من الوجدان سيظل مادامت الأيام، طالما أن هذا التراث فيه ما يشرفنا. ويا قاطفي الشهد في جبال الإمارات كل موسم وأنتم بخير.

عن جريدة الاتحاد الأماراتية
 
مسموح النقل من الموقع شريطة ذكر الموقع والمؤلف www.na7la.com 2007-2010