موقع نحلة للنحالين العرب موقع نحلة للنحالين العرب موقع نحلة للنحالين العرب  
الصفحة الرئيسية   المقالات   التصاميم   الصور   الأخبار   جمعية النحالين السوريين   اتحاد النحالين العرب
العلاج بمنتجات النحل apitherapy
العلاج بالعســل
أرسل لنا تعليقك على هذا المقال

تـاريـخ العـلاج بالـعـســل

منتصر صباح الحسناوي
رئيس جمعية نحالي النجف الاشرف
مقالة أرسلت بالبريد الإلكتروني

montasir_sabah@yahoo.com


يمكننا القول بأن تاريخ العلاج بالنحل بدأ في أول يوم وجد فيه الإنسان نفسه في مواجهة مباشرة مع مستعمرة النحل , اللقاء الأول كان دون شك مؤلماً ، شكرا للسعات النحل ! زيادة عن الألم ، أول مريض لاحظ دون شك بأن قدرته عل الجري أصبحت أفضل و تنفسه أصبح أحسن و درجة حرارة جسمه إرتفعت ...
كذلك يمكننا تخيل و بروح دعابة ، أن أول ملسوع من النحل هو أول مريض خضع للعلاج بالنحل ! لاحقا اكتشف الإنسان منتجات أخرى للنحل ، خاصة العسل و عذوبته ، الطلع و مرارته ويرقة النحل بطعمها الحامض الأخاذ .

يمكننا تقدير أنه بمجرد شروع الإنسان في إستهلاك هذه المنتوجات و لسعه بإنتظام من النحل بدأ تاريخ العلاج بالنحل , متى كان هذا يا ترى ؟ من الصعب معرفته ...على كل حال منذ أزل بعيد دون شك أبعد مما نتصور, فالحفريات تشهد على وجود حشرات على سطح الأرض قبل ظهور الإنسان , النحل على هيئة ثابتة ، موجود منذ حوالي 50 مليون سنة . فليس من المفاجئ أن اقتحامه لحياة الإنسان أرخ في الفترة ما قبل التاريخ. منذ 12000 سنة عبر أول فنان تشكيلي على النحل ...
كما وجدت لوحات تشكيلية في كهوف بأوروبا مؤرخة منذ 10000 عام قبل الميلاد ، تمثل الإنسان يبحث عن العسل .

والشعوب القديمة كلها كانت تبدي نوعاً من الاحترام للنحلة وتميزها عن باقي الحشرات والحيوانات ولقد كتبت كثير من الأساطير والحكايات الشعبية والأشعار حول النحل العراق تربية النحل منذ 5000 سنة ق- م في العهد السومري حيث وجدت كتابات حول النحل على الألواح الطينية التي يزيد عمرها على 4000 سنة ق-م و من بين أقدم اللوحات السومرية مؤرخة منذ تقريبا 3000 عام ق.م ، تحمل وصفات إستعمال العسل لعلاج إلتهابات الجلد أو القرحة ", و في أور جنوب العراق وجدت كتابات حول العسل يعود تاريخها إلى 2000 سنة ق-م و استخدم الشعب البابلي العسل لعلاج الأمراض كما ذكر الملك البابلي حمورابي العسل في مسلته المكتوبة على حجر الصوان (وهي موجودة الآن في متحف اللوفر بباريس) و رسمت النحلة على العملة القديمة لمدينة بابل التاريخية .
وفي مصر القديمة، ومنذ حوالي ستة آلاف سنة بني نصب "فلاميش" التذكاري الذي كان يعتبر شعار الدولة في مصر السفلى، ويتمثل بصورة نحلة خافضة رأسها وناصبة أجنحتها، وكان تقديس النحلة واحترامها لدى المصريين يعتبر نوعاً من التقرب والزلفى إلى "فرعون".

لقد كان الفراعنة يعتبرون النحلة العون المخلص لهم في عالم الأرواح ضد إله الظلام "هوه:Huh" الذي يجلب الأذى والشر , فكانت النحلة رمزاً للسلامة والأمان ودرءاً للخطر، ومثالاً يحتذى في النظافة، ولذا كانت النحلة هي الصورة التي اختارها ملوكهم ليزينوا بها أضرحتهم, ومن المعلوم أن المصريين القدامى، أول الشعوب التي عرفت بنجاح "النحالة المتنقلة" حيث كانوا يحملون خلايا النحل على قوارب يجوبونها نهر النيل من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال حيث كانت النباتات تزهر قبل الجنوب بأكثر من ستة أسابيع, وفي أقدم وثيقة وجدت على أوراق البردي تعود إلى 3500 سنة خلت وجد كتاب تحضير الأدوية لكل أمراض الجسم وفيه كثير من الوصفات كان فيها العسل المادة الرئيسية وذكروا أن العسل يساعد على شفاء الجروح ومعالجة أمراض المعدة والأمعاء والكلى، وطبقوه على شكل مراهم في علاج أمراض العين.
وفي عسر التبول وصفت حبوب باسم "خا" يدخل فيها العسل أيضاً، وفي وثيقة فرعونية أخرى قرأها Edwin Smith وجدت معلومات عن تطبيق الضمادات العسلية بعد العمليات الجراحية. كما ذكر في البردي المصري عام 1550 ق.م ، العكبر ، "الشهد الأسود " .حيث تمت الإشارة إلى الطريقة السرية و العجيبة في تحنيط المومياء الفرعونية فقد استعمل في ذلك العكبر مضافا إلى مركبات نشيطة أخرى .

و في أساطير الهند القديمة شغل النحل مكاناً متميزاً، واعتبرت النحلة حشرة مقدسة. وكانوا يعتقدون أن إلههم الأكبر "فيشنو" الذي خلق الشمس وأوجد الحياة في الكون تمثل في نحلة تستريح فوق زهرة اللوتس , كما صور إله الحب عندهم "كاما" مرفوع على رأسه التاج وحوله إكليل مكوّن من سلسلة من النحل، وفيها رمز إلى أن سهام الحب يمكن أن تجلب الألم كما تجلب السعادة و منذ 6000 سنة إستعمل الهنود العسل كغذاء و العكبر كمادة لتضميد الجروح ,والهنود القدامى نسبوا للعسل من المزايا الشفائية والمقوية وكانوا يكتحلون بالعسل لمعالجة أمراض العين ، وفي كتاب الحياة Ayur vedaوقوانين مانو شرح عن أكسير الحياة لإطالة العمر، وأنه مكوّن من اللبن والعسل.

ومنذ 2000 عاما ، المؤلف الصيني " Shen Nong’s Book of Herbs " " أشار إلى أن العسل و شهد النحل و خبز النحل من المواد المصنفة الأولى من حيث عدم سموميتها " و التي يمكن أخذها بصفة إعتيادية لعلاج الأمراض و الإعتناء بالصحة.و منذ200 عاما ق.م ، بالصين في" الإثنان و خمسون وصفة " كتبت على لفافات حريرية ، إثنتان منها متعلقة بالإستعمال الطبي لـخبز النحل و العسل.
وفي الشرق الأقصى وعند براهمة البنغال كانت العروس تدهن بالعسل ولا سيما ثدييها وفرجها لاعتقادهم بأنها ستصبح أكثر إخصاباً. وقد جاءت وثائق من الصين تشير إلى أن أطباءهم كان يعالجون المصابين بالجدري بطلي أجسامهم بالعسل لما رأوه من سرعة شفائهم به، وأنه يمنع حصول الندب المعيبة التي يخلفها هذا الداء الوبيل، كما نقل عنهم معرفتهم بخواص العسل الحافظة والمغذية للبشرة والمبيضة لها أيضاً حيث كانوا يمزجونه مع شمع العسل.

واعتقد الإغريق من أتباع المذهب الروحي بأن العسل يطيل العمر، وإن فيثاغورس وديموقراطوس فكرا بإطالة عمريهما بجعل العسل جزءاً من غذائهما اليومي. وقد اعتاد مصارعوا الإغريق تناول العسل وخصوصاً قبل تمارينهم الرياضية وأشارت أساطير اليونان بالعسل المحضّر من قبل صيادلة ذلك العصر –النحلات- ووصفته بأنه الندى الذي تقطره نجوم السماء وأقواس قزح، والذي ينحدر إلينا بواسطة الأزهار. وكان شاعرهم هوميروس يتغنى بالعسل وبخصائصه الممتازة في ملحمته الخالدة الإلياذة والأوديسة , كما أن بيفاغور أبرز في أشعاره خواص العسل الدوائية المعروفة حينذاك.
وكان الفيلسوف اليوناني أرسطاطاليس خبيراً بالطب وقد مدح بإطناب رجل النحل المسمر، وبيّن أن العسل يملك خواص ذاتية فريدة من نوعها وأنه يقوي الصحة ويطيل العمر, كما أن أبو قراط يعتمد على العسل في غذائه الخاص ويعالج به كثيراً من الأمراض كالجروح والإلتهابات البلعومية، وله شراب محضر من العسل يصفه كمهدئ للسعال وماص للرطوبة.
أما المؤرخ بليني صاحب كتاب "التاريخ الطبيعي" فقد أشار إلى الخواص الشفائية الممتازة للعسل في معالجة الجروح وتقرحات الفم، وذكره العالم الإغريقي "ديوسكوريدوس" كعلاج ناجح في أمراض الجهاز الهضمي ولمعالجة الجروح المتقيحة والبواسير، كما أشار الطبيب كلافدي غالن بشكل خاص في قروح الفم وكان يعالج الجروح بعجينة مكونة من العسل والطحين. كما كان يصف العسل لمعالجة حالات التسمم ولآفات جهاز الهضم.
وفي عهد الإمبراطورية الرومانية كان العسل الغذاء الاعتيادي لكل روماني وكان رمزاً في أعيادهم واحتفالاتهم الدينية.

ونظراً لارتفاع قيمته في نظرهم فقد قبلوا أخذه كبديل ممتاز عن الضرائب المتوجب دفعها, وكان نبلاء الرومان يفاخرون بامتلاكهم خلايا النحل، ويعتبرون تقديم العسل للضيف من كوارة المضيف الخاصة نوعاً من إكرامه والاحتفاء به. كما كانوا يصطحبون مناحلهم في معاركهم ضد أعدائهم إذ كانوا يطلقونها في ساحات الحرب لتصبح سلاحاً قاتلاً للأعداء.
أما الشاعر الروماني أوفيد فقد أيد آراء بيفاغور واضعاً العسل في رأس قائمة المواد الضرورية لتغذية الإنسان. وفي فنلندا مازالت معروفة تلك العادة وهي دهن شفاه العروس بالعسل ليلة زفافها حفظاً على مودتها، وعند الطليان مثل شعبي يقول: "سيدتي! عاجلي زوجك بالعسل فإنك ستحكمين قلبه وتحافظين على مودته، سيدي! عامل زوجتك وكأنكما في شهر العسل واعلم أن السعادة ستخيم دائماً على منزلك..".

ولقد كان العبرانيون يعتقدون بأن العسل يجعل الناس مهرة وأذكياء. وما زال اليهود حتى أيامنا هذه يصنعون الأطعمة الخاصة بالأعياد من العسل، وفي سفر التكوين من التكوين من التوراة جاء ذكر العسل عندما أرسل يعقوب ابنه بنيامين إلى مصر مع أعطية فيها أحسن فواكه الأرض مع العسل، وجاء فيه وصية لنبي الله سليمان عليه السلام عن أبيه داود قوله: تناول العسل يا بني فإنه جيد، وإن أقراص العسل لذيذة المذاق.
وفي القرن السادس استخدم الكسندر ترايسكي العسل بكثرة لمعالجة أمراض الكبد والكليتين والجهاز التنفسي. وفي الطب الشعبي الروسي عولج بالعسل الكثير من الحالات المرضية, وقد ورد في المخطوطات الروسية القديمة وصف مسهب لخواص العسل العلاجية وعلى الخصوص لمعالجة الالتهابات الصدرية والسل الرئوي وأمراض الهضم. كما وردت وصفات لمراهم يدخل فيه العسل لمعالجة الجروح المتعفنة وعدد من الآفات الجلدية.

وللعسل عند المسلمين نظرة خاصة ومكانة جلّى كطعام له نوع من القدسية في نفوسهم، ولقد بلغ من ترغيب القرآن الكريم فيه أن جعله شراب أهل الجنة. وهذا مصداق قوله تعالى في وصف ما أعده سبحانه وتعالى لعباده المتقين: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً }محمد: من الآية15
وآكد نص تاريخي يثبت الخواص الشفائية للعسل هي الآية المنزلة في سورة النحل، وهي قوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ... يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}النحل: من الآية:68-69.
وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إيماناً به وتصديقاً لما أنزل الله في كتابه أصرّ على كثير ممن راجعه من الصحابة يسألونه الدواء أن يتداووا بالعسل، وحذا حذوه العديد من الصحابة ثم الكثير من أطباء المسلمين حيث طبقوا العسل على نطاق واسع.

وفي كتاب القانون في الطب لابن سينا عشرات الوصفات التي يدخل فيها العسل. فقد كان يصف مزيجه مع شراب الورد لمعالجة السل الرئوي، ويصف محاليله الدافئة لمعالجة الأرق،وأوضح فعله المشفف للقرنية لمعالجة كثافاتها المختلفة المنشأ، وكان يصف العسل فيقول: "العسل يقوي الروح، ويزيد النشاط، ويحرك الشهية، ويحفظ الشباب، ويؤدي إلى انطلاق اللسان". ويصف الموفق البغدادي العسل بأنه" يدفع الفضلات من الأمعاء، ويشد المعدة،وينقي الكبد، ويدر البول، وينقي الصدر، وينفع أصحاب البلغم، والأمزجة الباردة والسعال الكائن من البلغم".

منتصر صباح الحسناوي
رئيس جمعية نحالي النجف الاشرف

جميع الحقوق محفوظة لموقع نـحـلــة © www.na7la.com      2007-2008